فصل: مسألة سلف رجلا مائة درهم في عشرة أمداد من حنطة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة أسلف رجلا حنطة حالة أو إلى أجل ثم اشتراها منه بنقد أو إلى أجل:

ومن كتاب المكاتب:
وسئل عن رجل أسلف رجلا حنطة حالة أو إلى أجل، ثم اشتراها منه بنقد أو إلى أجل، فقال: أما إذا كانت الحنطة على المستسلف حالة، فلا بأس أن يشتريها منه بنقد؛ وذلك أن حنطته رجعت إليه وأعطاه دينارا بحنطة أخرى يقبضها حالة؛ قلت أما تراه الآن سلف في طعام مضمون إلى غير أجل؟ فقال قد يدخله ما ذكرت لك، وما كنت آمر أحدا بمثل هذا ولا أبلغ تحريمه ولا قسطه؛ لأن مالكا قال لنا لا بأس بالتسليف في الطعام إلى اليومين والثلاثة، فإذا وقع ما سألت عنه أجزته، ولا آمر بالعمل به قبل أن يقع؛ وأما إذا كان الطعام إنما استسلفه إلى أجل ثم اشتراه المسلف بثمن إلى أجل، فهذا لا يحل؛ لأنه بيع الدين بالدين، صار أن رجع إليه طعامه بعينه وأوجب على نفسه ثمنا إلى أجل بطعام يقبضه إلى أجل، فهذا لا يحل؛ وإن كان أسلفه الطعام إلى أجل واشتراه بالنقد، فلا بأس به؛ لأن طعامه قد رجع إليه بعينه، وأعطاه ثمنا نقدا يأخذ به طعاما إلى أجل، فهو كالتسليف الصحيح.
قال محمد بن رشد: هذا الرسم بجملة المسألة التي فيه وقع فيه بعض الروايات، وكان يمضي لنا عند من أدركنا من الشيوخ أنه يقوم منها إجازة السلم الحال إذا وقع، وليس ذلك بصحيح؛ لأنه لم يقع فيها مقصودا إليه، ولو وقع مقصودا إليه بأن يسلم الرجل إلى الرجل دنانير في طعام يكون له حالا عليه يأخذ؛ به متى أحب، لما أجازه والله أعلم؛ لأنه من بيع ما ليس عندك، وقد مضى القول في بيع ما ليس عندك مستوفى في رسم حلف من سماع ابن القاسم؛ وقد قال أشهب إنه إنما كره من أجل أنه كأنه قيل له خذ هذه الدنانير فاشتر بها كذا وكذا، فما زاد فلك، وما نقص فعليك، فتدخله المخاطرة والغرر؛ وإنما أجازه؛ لأنهما فعلا فعلين جائزين صحيحين في الظاهر: قرض وابتياع، فلم يتهمهما على القصد إلى استجازة السلم الحال، إذ بعدت التهمة عنده عليهما في ذلك، فلم يفسخ ما آل أمرهما إليه في ذلك من السلم الحال وإن كان يفسخه لو فعلاه ابتداء، وقد مضى نحو هذا المعنى في رسم أسلم، ورسم يدير ماله من سماع عيسى، وبالله التوفيق:

.مسألة يسلف مائة دينار في قمح إلى أجل ويبيع القمح بمائة دينار إلى أجل سنة:

من سماع سحنون وسؤاله ابن القاسم وأشهب.
قالا سحنون وسئل أشهب عن الرجل يسلف مائة دينار في قمح إلى أجل، ويبيع القمح بمائة دينار إلى أجل سنة؛ فإذا حل الأجل، أقيل كل واحد منهما مما عليه، فلم يدفعا ما أقيلا به حتى طال ذلك؛ لم يدفع الذي اشترى الطعام بمائة إلى أجل لما أقيل من الطعام- الطعام حتى تباعد ذلك بشهر أو نحوه، ولم يدفع الذي أعطى الدنانير في قمح إلى أجل الدنانير لما أقيل حتى تباعد ذلك بشهر أو نحوه؛ قال الإقالة جائزة ولا تبطل وإن طال، إلا أن يكونا أخرا ذلك صنعا له؛ فتكون الإقالة باطلة، ويكون على الذي أعطى الدنانير في قمح قمح كما هو، وعلى الذي اشترى القمح بدنانير، دنانير كما هي.
قال محمد بن رشد: قول أشهب هذا خلاف قول ابن القاسم وروايته عن مالك في السلم الثالث من المدونة؛ لأنه لم يجز فيه أن يتأخر ما أقاله فيه يوما ولا ساعة بشرط ولا بغير شرط كالصرف، وهو أظهر من قول أشهب؛ لأن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نهى عن بيع الدين بالدين»، وعن بيع الطعام قبل أن يستوفى كما نهي عن التأخير في الصرف. وقد أجمعوا أنه لا يجوز التأخير في الصرف بشرط ولا بغير شرط، فوجب أن يرد ما اختلفوا فيه من فسخ الدين في الدين إلى ما اتفقوا عليه في الصرف، وقد مضى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم من كتاب الصرف تفصيل القول فيما تأخر من الصرف.

.مسألة يسلف في طير أحياء مائة طير وهي مما لا تستحيى:

قال وسألت ابن القاسم عن الرجل يسلف في طير أحياء مائة طير وهي مما لا تستحيى، فإذا حل الأجل أخذ في صنفها دونها أقل عددا، فلا بأس به؛ وإن أخذ من غير صنفها أقل عددا فلا خير فيه، إلا أن يأخذ دونها في العدد من غير صنفها من الطير مما لا يستحيى يتحرى أن يكون بقدر المائة. قلت له فما تقول في المذبوح منه بالحي وكل ما لا يستحيى؟ قال هذا الأخير فيه، وهو الحي بالميت الذي كره، وإنما يجوز أن يشتري بعضه ببعض إذا كانت أحياء يتحرى أن يكون مثلا بمثل.
قال محمد بن رشد: قوله إنه إذا أسلم في طير أحياء مما لا يستحيى أنه يجوز له إذا حل الأجل أن يأخذ من صنفها دونها أقل عددا، فهو مما لا اختلاف فيه عند جميعهم؛ لأنه أخذ من صنف ما سلم فيه أدنى في الصفة وأقل عددا، فوجب أن يجوز كمن سلم في مائة إردب محمولة، فأخذ لما حل إلا جل خمسين محمولة أدنى من صفة التي سلم فيها؛ ولو كان ذلك قبل الأجل لما جاز، وأما إذا أخذ من غير صنفها أقل عددا، فقوله إن ذلك لا يجوز إلا أن يكون بقدر التي له على التحري. يريد بعد حلول الأجل، هو على أصله الذي قد تقدم له في آخر رسم باع شاة، وفي أول رسم حبل حبلة من سماع عيسى من أن مسألة الحياة التي فيما لا يستحيى غير مرعية عنده إلا مع اللحم من صنفه، وأشهب يراعيها في كل حال، فيحكم لها بحكم العروض؛ فيجوز على مذهبه أن يأخذ من صنفها بعد حلول الأجل أقل أو أكثر، ولا يأخذ قبل الأجل من صنفها إلا مثل ما له، لا أقل ولا أكثر، ويأخذ من غير صنفها ما شاء، وقول ابن القاسم إن الحي منها بالمذبوح لا يجوز على حال، هو على أصله المذكور في مراعاة حياتها مع اللحم للحديث، وقد مضى بيان ذلك كله في رسم حبل حبلة المذكور، فلا معنى لإعادته.

.مسألة يعطي الرجل مائة دينار في مائة إردب قمح يأخذ كل يوم أو إردبا:

وسألت ابن القاسم عن الرجل يعطي الرجل مائة دينار في مائة إردب قمح، أو مائة كبش موصوفة يأخذ كل يوم كبشا أو إردبا؛ قال لا بأس بذلك، وكذلك قال مالك في الذي يعطي الحناط دينارا على أن يأخذ منه خمسة عشر صاعا، يأخذ كل يوم صاعا، قلت له فإن سلف فيها إلى خمسة أيام يأخذها؟ قال ولو وقع لم أفسخه، وأنا أتقيه؛ واحتج بقول مالك في الرجل يشتري الزرع وقد أفرك، فيفوت ذلك وييبس؛ قلت له فإن مرض المسلف إليه أو فلس؟ قال فهو ضامن عليه، قلت له وإن كان رأس المال إلى أجل ولم يقدمه؟ قال لا بأس به. قلت له ولم لا يكون هذا دينا في دين؟ قال هذا ليس من ذلك. قلت له فالجزار إن مات أو مرض أو فلس؟ فقال الجزار ليس هو مثل هؤلاء، الجزار إن مرض مرضا بينا وجاء عذر بين، فسخ ما بقي. وقال غيره لا يجوز في مسائل في الطعام والغنم إلا لمن كان ذلك عنده، فأما إن كان ليس عنده، فهو لا خير فيه.
قال محمد بن رشد: أما الذي سلم مائة دينار في مائة إردب أو في مائة كبش على أن يأخذ كل يوم كبشا من ثاني يوم سلمه، فإنما جاز ذلك من أجل أن ما تعجل من الأرادب أو الكباش قبل الأجل الذي يجوز إليه السلم على المشهور من قول مالك إنه لا يجوز إلا إلى أجل ترتفع فيه الأسواق وتنخفض، يسير في جنب ما يتأخر منها؛ وأما إجازة مالك أن يسلم الرجل دينارا إلى الحناط على أن يأخذ منه خمسة عشر صاعا صاعا كل يوم؛ فيحتمل ذلك وجهين، أحدهما أن يكون إنما أجاز ذلك على قوله الذي رجع إليه من إجازة السلم إلى اليومين والثلاثة. والثاني أن يكون معنى المسألة إنما دفع إليه الدينار على أن يأخذ منه خمسة عشرة صاعا كل يوم صاعا بعد أجل سمياه؛ وأما إجازة ابن القاسم السلم إلى خمسة أيام إذا وقع، فقد بين أنه إنما أقاله مراعاة للاختلاف في ذلك؛ واحتج لما ذهب إليه من مراعاة الخلاف بمراعاة مالك له في الذي يشتري الزرع قبل أن ييبس وقد أفرك، أنه لا يفسخه إذا فات باليبس، مراعاة لقول من أجاز بيعه إذا أفرك قبل أن ييبس؛ وقد قيل إن العقد فيه فوت مراعاة للاختلاف، وقد قيل إن القبض فيه فوت، وقد قيل إنه يفسخ ما لم يفت بعد القبض، وهو ظاهر ما في السلم الأول من المدونة؛ وأما قوله إن السلف إليه ضامن لما عليه إن مرض أو فلس، وإن رأس المال إن كان مؤخرا إلى أجل فلا بأس به، ولا يكون ذلك دينا في دين؛ فإنما تكلم في السلم الذي أجازه فقهاء المدينة ولم يروه من الدين بالدين، واشتهر ذلك في فعلهم حتى صار يسمى بيعة أهل المدينة؛ ذكر ذلك مالك عن عبد الرحمن بن المجبر عن سالم بن عبد الله، أنه قال كنا نبتاع اللحم كذا وكذا رطلا بدينار، نأخذ كل يوم كذا وكذا رطلا والثمن إلى العطاء، فلم ير أحد ذلك دينا بدين، ولم يروا به بأسا؛ فهذا أجازه مالك وأصحابه اتباعا لما جرى عليه العمل بالمدينة بشرطين، أحدهما أن يشرع في أخذ ما سلم فيه. والثاني أن يكون أصل ذلك عند المسلم إليه على ما قال غير ابن القاسم ههنا، فليس ذلك بسلم محض؛ ولذلك جازتا خير رأس المال فيه، ووجب فسخه إن مرض أو مات أو فلس، ولا يشترى شيء بعينه حقيقة، ولذلك جاز أن يتأخر قبض جميعه إذا شرع في قبض أوله؛ وقد روي عن مالك أنه لم يجز ذلك، ورآه دينا بدين؛ قال وتأويل حديث ابن المجبر أن يجب عليه ثمن ما يأخذ كل يوم إلى العطاء، وإجازة ذلك على الشرطين المذكورين، هو المشهور في المذهب، وعليه تكلم في هذه الرواية. وقوله فيها إن المسلف إليه ضامن لما عليه، معناه إذا انتقد وكان الذي عليه مما يمكنه دفعه مع مرضه أو فلسه، أو لا يمكنه ذلك، ويمكن المسلم تخيره بما وجب له عليه حتى يأخذه جملة من غير ضرر يكون عليه في ذلك؛ وأما إذا لم ينتقد أو كان قد انتقد وكان الذي سلم إليه فيه مثل اللحم الذي لا يمكنه أن يوفيه كل يوم شرطه منه مع مرضه؛ وإن أخره حتى يأخذه جملة، أضر ذلك بالمسلم، إذ الغرض منه إنما هو أخذه رطبا يوما بيوم، فيفسخ السلم بمرضه أو موته أو فلسه، ويأخذ منه بقية رأس ماله في المرض والموت، وما يجب له منه في التفليس بالمحاصة، فهذا وجه تفرقة مالك بين الجزار وغيره.

.مسألة يشتري من الرجل عبدا بعشرة دنانير إلى أجل:

وسألت ابن القاسم عن الرجل يشتري من الرجل عبدا بعشرة دنانير إلى أجل، فيتعدى عليه البائع فيبيعه بخمسة دنانير نقدا أو بدراهم نقدا أو بطعام نقدا أو إلى أجل، قال إذا باعه بعشرة دنانير، فإن خيف أن يكون إنما أراد به وجه الذريعة، مثل أن يكون لا يبصر البيع، أو مثل أن يكون يريد عنته، فلا بأس أن يجيز البيع؛ وإن خيف فلا أحبه، وأرى أن يفسخ البيع، وأما إن باعه بطعام نقدا، فأراد أن يأخذ الطعام فذلك له.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في أول سماع يحيى مستوفى، فلا معنى لإعادته.

.مسألة لا تشترى الحيتان الكبار إلا بعدد ولا تشترى جزافا في أحمال ولا صبر:

قال ابن القاسم لا تشترى الحيتان الكبار إلا بعدد، ولا تشترى جزافا في أحمال ولا صبر، والحيتان الصغار تشترى جزافا في الظروف إذا عرف عدد الظروف، وهو خلاف القثاء والبطيخ في أحماله وإن كان عظيما، فلا بأس أن يشترى البطيخ مصبرا جزافا والقثاء.
قال محمد بن رشد: لم يجز أن تباع الحيتان الكبار جزافا لا في أحمال ولا في صبر، وأجاز أن يباع البطيخ والقثاء وإن عظم في أحماله ومصبرا؛ لأن القثاء والبطيخ لا تعظم حتى يكون في الحمل الواحد منها ما لا يشق عدده، والحيتان إذا عظمت جدا لا يكون في الحمل الواحد منها ما يشق عدد، فأصل هذا أنه لا يجوز أن يباع جزافا ما يعد عددا مما لا مؤنة في عدده من كبير إلا شياء، فالحيتان الكبار والخشب الكبير الملقى بعضه على بعض، والظروف المملوءة من الحيتان الصغار والسلال المملوءة من الفواكه وشبه ذلك؛ كما لا يجوز أن تباع الثياب والعروض والحيوان من الإبل والبقر والدواب والغنم جزافا؛ لأن ترك عدد ذلك وشراءه جزافا من المخاطرة والغرر، وإنما يجوز بيع الجزاف فيما عدا الدنانير والدراهم مما يوزن أو يكال أو يعد من صغار الأشياء كالرمان والفرسك وشبه ذلك؛ لأن الكثير من ذلك يشق كيله أو وزنه أو عدده، والقليل منه يراه ويحزره ويحيط به بصره، فلا غرر في ذلك إلا في الحيتان الصغار في الماء والطير الصغير في الأقفاص؛ لأنه يتداخل بعضه في بعض، فلا يحيط بصره بحزره؛ وإنما يجوز بيع الجزاف فيما وصفنا أنه يجوز بيعه جزافا إذا لم يعلم البائع كيل ما يكال من ذلك، ولا وزن ما يوزن منه، ولا عدد ما يعد منه؛ فإن علم ذلك وكتمه المبتاع، كان المبتاع بالخيار كالعيب يجده فيما ابتاع؛ وكذلك لو علم ذلك المبتاع ولم يعلمه البائع ثم اطلع بعد البيع أن المبتاع قد كان علم ذلك، لكان له الخيار؛ ولا يكون لذلك حكم البيع الفاسد، إلا أن يقول البائع أنا أعرف كيل ذلك، أو وزنه أو عدده؛ فأنا أبيعكه جزافا ولا أعلمك بذلك فيرضى به المشتري ويشتري على ذلك، فيكون البيع على هذا فاسدا، قاله ابن حبيب.

.مسألة يبيع من الرجل سلعة بخمسين إلى أجل ثم يتعدى عليه البائع فيبيعها بأربعين:

قال ابن القاسم عن الرجل يبيع من الرجل سلعة بخمسين دينارا إلى أجل، ثم يتعدى عليه البائع فيبيعها بأربعين دينارا نقدا، قال: إن كانت قائمة فأحب المشتري أن يجيز البيع ويأخذ أربعين دينارا، كان ذلك له؛ وإن أبى، فسخ؛ قلت فإن كانت فائتة؟ قال فإن أحب أخذ القيمة، وإن أحب أخذ الثمن؛ قلت له: فإن كانت القيمة أربعين أو خمسة وأربعين؟ قال: إن ذهبت إلى القياس، أخذت القيمة وأغرمته خمسين إذا حل الأجل، ولكني أتهمهم أن يكونوا أرادوا الربى، فأغرم البائع القيمة إن كانت أربعين أو خمسة وأربعين، فإذا حل الأجل جعلته يرجع بما أخذ لا أكثر، قلت له فإن كانت القيمة ستين؟ قال تؤخذ الستون منه، فإذا حل الأجل أعطى خمسين.
قال محمد بن رشد: قد مضى القول على هذه المسألة في أول سماع يحيى مستوفى فلا معنى لإعادته.

.مسألة باع طعاما بثمن إلى أجل على أن ينقده دينارا:

قال سحنون: قال ابن القاسم في مسألة العينة في الذي باع طعاما بثمن إلى أجل على أن ينقده دينارا، إنما كرهه كأنه قال له بع من هذا الطعام بدينار فاعطني، وما بقي من الطعام فهو لك بما بقي من الثمن إلى أجل؛ قلت فإن كان أعطاه دينارا من عنده؟ قال وإن كان أعطاه دينارا من عنده فهو يخلفه من الطعام، وهذا وجهه؛ قال أصبغ وكذلك قال أشهب في الرجل يبيع الدار ويشترط أنها رهن في يديه إلى ذلك الأجل، فلا خير فيه؛ وهو عندي كمسألة العينة يعينها بثمن إلى أجل على أن يعجل له منه شيئا إذا كان من أهل العينة، فكأنه باعهما بعد الخمسة من السلعة بباقي الثمن، فهو خطار؛ وقد ردت على مالك واستنكرت عليه فلما أكثروا عليه فسر لهم هذا التفسير، ثم قال لهم على إثر التفسير: والحجة حين أكثروا عليه ليس أنا قلته، قاله ربيعة وابن هرمز؛ وكذلك مسألة أشهب في الرهن يصير لا خير فيه، وذلك أنه إذا حل الأجل وأعسر بالثمن بيعت، فإن كان فيها نقصان، فعلى المشتري، وإن كان فيها فضل فله؛ فكأنه باعه دارا لا يقبضها على أن يبيعها بثمن سماه له إلى أجل على أن يضمن له ما نقص، ويكون له ما زاد؛ فهذا القمار، وسواه في هذا كانا من أهل العينة أو لم يكونا؛ قال أصبغ فإن وقع، فمفسوخ بينهما؛ وإن بيعت قل ذلك، فالزيادة والنقصان لرب الدار وعليه؛ كالذي يبيع السلعة على أن لا نقصان عليه فقد جعله مالك هكذا بمنزلة الأخير، وهذا مثله في رأيي.
قال محمد بن رشد: أما الذي باع من أهل العينة طعاما أو شيئا بثمن إلى أجل على أن ينقد من الثمن دينارا، فقد مضى القول عليها في رسم حلف من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادة ذلك. وأما مسألة أشهب في الرهن التي نظرها بها أصبغ ففيها اختلاف، قيل إنه يجوز أن يبيع الرجل الدار والعقار الذي يجوز بيعه وتأخير قبضه بثمن إلى أجل ويشترط أن يكون في يديه رهنا إلى ذلك الأجل، وكذلك يجوز في الحيوان والعروض التي لا يجوز بيعها وتأخير قبضها إذا وضعها بيد عدل؛ فإن اشترط أن يكون بيده، لم يجز البيع وفسخ وهو قول ابن القاسم وروايته عن مالك؛ وقيل: إن ذلك لا يجوز في الدور والعقار ولا في العروض والحيوان على حال العلة التي ذكر في هذه الرواية، واختلف الأمر على القول بأنه لا يجوز، فقيل إنه بيع فاسد يسلك به مسلك البيع الفاسد في كون الغلة للمشتري بالضمان وسائر أحكام البيع الفاسد، وقيل إنه ليس ببيع فاسد وإنما هو إجارة فاسدة؛ كأن رب المال استأجره على أن يبيعها له بثمن قد سماه على أن يكون له ما ازداد على الثمن إجارة له، فإن باعها كان الثمن لرب الدار، وكان للذي باعها أجرة مثله في بيعه إياها؛ وإلى هذا ذهب أصبغ على ما أختاره من اختلافهم في الذي يبيع من الرجل السلعة على ألا نقصان عليه، فقد قيل فيه القولان جميعا؛ واختلف في ذلك قول مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة.

.مسألة تسلف درهم صفر من رجل فأعطاه لصا في طريق فعلم أنه صفر:

من مسائل نوازل سئل عنها سحنون سئل سحنون عن رجل تسلف درهم صفر من رجل فأعطاه لصا في طريق، فعلم أنه صفر؛ بأي شيء يرجع عليه الذي أسلف إياه؟ قال إن كان يعلم ما فيه من وزن الورق ووزن الصفر، قضاه وزنه؛ لأن كل من استهلك شيئا من الوزن والكيل فعليه مثله، ولسنا نأمره أن يرفع إليه درهما مثله صفرا يغر به المسلمين؛ وإن كان لا يعلم ما فيه من الورق، فعليه أن يغرم له قيمة ذلك يكون عليه في الورق قيمته ذهبا، وفي الصفر قيمته ورقا؛ لأن القيمة لا تكون إلا بالذهب والورق، قيل له وما يصنع بقيمته من الذهب وهو إن أخذه لم يكن فيه منفعة؛ لأنه أقل من ذلك؟ قال يقضى له بالقيمة ذهبا ما كان من شيء في الدينار بالصرف، ليس في قطعه ذهب إن كان ذلك خروبة فخروبة، أو ما كان؛ فإذا كان له من دينار خروبة أو قيراط، قيل لهما صرفا الدينار بدراهم، فخذ أنت منه حقك ما يقع بخروبة من الصرف أو النصف قيراط، أو ما كان حقه من شيء.
قال محمد بن رشد: حكم سحنون لهذا الدرهم بحكم المكسور، إذ لم يراع سكته، فحكم على مستهلكه بقيمة ما فيه من الورق ذهبا أو من الصفر ورقا إن لم يعلم زنة ما فيه من كل واحد منهما فيكون عليه فيه مثله؛ وذلك خارج عما قيل في ذلك مما قد ذكرناه في رسم النسمة من سماع عيسى من كتاب الصرف، وكان القياس على قولهم أن يكون عليه قيمته من الذهب على أن يباع ممن لا يغش به، أو ممن يكسره على الاختلاف في ذلك؛ وقد قال ابن القاسم في سماع أصبغ من كتاب الصرف أنه يرد مثله صحيحا في رداءته، وهو بعيد أيضا.

.مسألة تسلف من رجل دارهم ومن رجل آخر دراهم فخلطها فوجد فيها زائفا أو نقصا:

وسئل عمن تسلف من رجل دارهم ومن رجل آخر دراهم، فخلطها فوجد فيها زائفا أو نقصا، ولا يدري من أي الدراهم هي؟ قال مالك لا يرد عليهم إلا طيبا، ويحلفون أنهم لم يعطوه إلا جيادا.
قال محمد بن رشد: قوله ويحلفون أنهم لم يعطوه إلا طيبا، معناه أنه يحلف كل واحد منهما على علمه ما أعطاه إلا جيدا، أو وازنا في علمه ولا يلزم واحدا منهم أن يحلف على البتات، فإن حلفا جميعا برئا ولزمه أن يعطيهما جميعا طيبا؛ وإن حلف أحدهما ونكل الآخر، لزم الناكل بدله؛ وكذلك إن نكلا جميعا أيضا بعد أن يحلف ما يعلم من دراهم من هي منهما باتفاق بأن ادعى كل واحد منهما عليه أنه يعلم أنه ليس من دراهمه، وعلى اختلاف إن لم تتحقق عليه الدعوى بذلك؛ وهذا إذا كانت له بينة على أنه وجد فيها الزائف أو الناقص بعد أن خلطها وقبل أن يغيب عليها؛ وأما إن ادعى ذلك بعد أن انقلب بها وغاب عليها، فليس له أن يحلف واحد منهم إلا على القول في لحوق يمين التهمة.

.مسألة أسلف رجلا في عبد إلى أجل معلوم ثم قبضه فمات العبد عنده ثم وجد به عيبا:

قال سحنون لو أن رجلا أسلف رجلا في عبد إلى أجل معلوم، ثم قبضه فمات العبد عنده ثم وجد به عيبا، أنه يغرم قيمة العبد ويرجع عليه بعبد مثله؛ وكذلك المرأة إذا نكحت بعبد موصوف ليس بعينه، ثم وجدت به عيبا، أنها ترده أو تغرم قيمته إن فات، وترجع عليه بعبد مثله.
قال محمد بن رشد: في النوادر لسحنون أيضا أنه ينظر ما قيمة العيب منه، فإن كان ربعه رجع عليه بربع عبد، فيكون معه شريكا في مثله- يريد إذا فات. وقال ابن عبد الحكم: إذا أسلم إليه في عبد فقبضه فأعتقه، أو كانت أمة فأولدها ثم وجد بأحدهما عيبا أو استحق نصفه بحرية، فإنه يرجع عليه بما نقصه العيب من قيمته لا من الثمن؛ بخلاف العبد بعينه الذي يفسخ فيه البيع يرده، وهو أن لو رده رجع بمثله، فينظر إلى قيمته سالما، فقيل قيمته مائتان، ثم يقال ما قيمته وبه العيب؟ فيقال مائة فيرجع عليه بمائة، قال أبو محمد وهذا لا وجه له. إما أن يجعله كأنه قبض نصف صفته فيرجع بنصف عبد كما قال سحنون، أو يكون قبض غير صفته فليرد قيمته كما قال ابن القاسم، ويتبعه بعبد، وهذا أشبه الأقاويل بالصواب؛ واعتراض ابن أبي زيد على ابن عبد الحكم صحيح، وقول سحنون الواقع في النوادر غير صحيح أيضا، إذ لا يصح أن يقال: إنه قبض بعض صفته، إذ لا تتبعض الصفة، إنما يصح أن يقال إنه قبض صفته إذا استحق بعضه برق أو حرية؛ لأن الشركة فيه تعيبه وتنقص من قيمته، لاسيما إن كان الاستحقاق بحرية، فليس استحقاق نصف العبد الذي سلم فيه بحرية أو ملك، بمنزلة من أسلم في عبدين صفتهما سواء، استحق أحدهما بحرية أو ملك؛ لأن استحقاق أحدهما لا يعيب الآخر، واستحقاق نصف العبد يعيب النصف الآخر؛ فلا يصح في المسألة إلا قول سحنون الواقع في الكتاب، وقد قال ابن أبي زيد إنه قول ابن القاسم.

.مسألة الكراث بحب الكراث إلى أجل الكراث نقدا والحب إلى أجل:

من سماع محمد ابن خالد من ابن القاسم قال محمد بن خالد سمعت ابن القاسم يقول: قال مالك لا بأس بالكراث بحب الكراث إلى أجل الكراث نقدا والحب إلى أجل، ولا خير في حب الكراث بالكراث إلى أجل، ولا بأس بحب الكراث واحد باثنين يدا بيد، ولا بأس أن يباع قبل أن يستوفى.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال؛ لأن حب الكراث ليس بطعام؛
وإن كان إذا زرع يخرج منه طعام، فيجوز أن يسلم الكراث فيه، إذ لا يخرج من الكراث حب؛ ولا يجوز أن يسلم هو في الكراث إلى أجل يكون منه كراث على أصولهم في المزابنة، وقد مضى القول في المزابنة وحكمها وتفصيل وجوهها مستوفى في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادة شيء منه.

.مسألة سلف رجلا مائة درهم في عشرة أمداد من حنطة:

من سماع عبد الملك بن الحسن من ابن القاسم. قال عبد الملك سئل ابن القاسم وأنا أسمع عن رجل سلف رجلا مائة درهم في عشرة أمداد من حنطة، ثم إن المسلف إليه هلك، فأحب ورثته أن يصالحوا عنه صاحب السلف بأقل من المائة؛ قال ابن القاسم أما بالدراهم فلا خير فيه إلا أن يعطوه جميع الدراهم، وأما بالحنطة، فلا بأس بما صالحوا عليه.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الورثة ينزلون في الطعام الذي على موروثهم من السلم منزلته، فلا يجوز لهم فيه إلا ما كان يجوز له، وهذا ما لا أعلم فيه اختلافا، وقد مضى ذلك في أول سماع ابن القاسم.

.مسألة رجلين لهما على رجل مائة إردب فقاضاه أحدهما حصته بغير إذن صاحبه:

من سماع أصبغ بن الفرج من ابن القاسم من كتاب البيع والصرف. قال أصبغ سمعت ابن القاسم يقول في رجلين لهما على رجل مائة إردب فقاضاه أحدهما حصته بغير إذن صاحبه، فعلم به فأتاه يطلبه؛ فقال له هبني إياها وأنا أضمن لك الخمسين التي بقيت لك، إن ذلك لا يحل، وقاله أصبغ وهو شديد، وليس هذا مثل الذي فوقه، وهذا فيه غير وجه واحد من الفساد، وسلف جر منفعة؛ كأنه يسلفه الخمسة والعشرين التي كان له أخذها على أن يضمن الخمسة والعشرين الأخرى، ويدخله البيع كأنه يبيعه إياها ويحيله بها على صاحبه ويزيده ضمانا؛ فهو طعام بطعام متأخر وزيادة الضمان متفاضلا فلا يحل. قال أصبغ: قال لي ابن القاسم ولكن لو كان قدر ما يضمن له خمسة وعشرين، بقدر ما كان يصيبه مما قبض، لم يكن بذلك بأس. وقال أصبغ لأن ذلك سلف خالص ليس معه زيادة، ولا فيه ازدياد شيء من الأشياء، وفي ذمته أيضا محضا ومعروفا من المعروف، فلا بأس به إن شاء الله تعالى.
قال محمد بن رشد: أما إذا ترك الرجوع عليه في الخمسين التي قبض بالخمسة والعشرين الواجبة له منها على أن يضمن له الخمسين الباقية، فالمكروه في ذلك بين على ما فسره أصبغ، وأما إذا ترك الرجوع عليه بالخمسة والعشرين من الخمسين التي اقتضى على أن يضمن له من الخمسين الباقية خمسة وعشرين، فأجاز ذلك ابن القاسم، وتبعه على ذلك أصبغ، وقال إنه سلف خالص محض لا زيادة فيه ومعروف من المعروف، وفي ذلك من قولهما نظر؛ لأنه ترك الرجوع عليه بالخمسة وعشرين على أن يضمن له ما لم يكن يلزمه ضمانه؛ لأنه مخير بين أن يسلم له ما اقتضى ولا يرجع عليه فيه، ويطلب الغريم بالخمسين التي بقيت عليه، ويكون ضمانها منه إن فوتت؛ وكذلك قال في المدونة؛ لأن تسليمه له ما اقتضى، منزل منزلة اقتسامهما للدين؛ وبين أن يرجع إليه بالخمسة وعشرين من الخمسين التي اقتضى، فيكون كأنه اقتضيا منه خمسين، وبقيت لهما عليه خمسون يقتضيانها منه جميعا، ويكون ضمانها منهما جميعا إن فوتت عنده؛ وقيل إنهما لا يرجعان جميعا بالخمسين على الغريم، وإنما يقتضيها منه الذي رجع على المقتضي أولا بالخمسة والعشرين، فإذا اقتضاها منه، رجع عليه صاحبه بالخمسة وعشرين التي أخذ منه، والقولان في المدونة؛ فإذا كان هذا هو الحكم، كان الذي ترك الرجوع على شريكه بالخمسة وعشرين قد أسلفه إياها على أن يحيله بها على غريمه، ويكون ضامنا لها إن فوتت عنده بعدم أو فلس؛ ولا يجوز أن يسلف الرجل الرجل دنانير ولا طعاما بشرط أن يحيله بها على غريم له وإن لم يشترط عليه الضمان؛ لأن الحوالة بيع من البيوع؛ وكذلك قال في الهبات من المدونة إن ذلك لا يجوز وإن كانت المنفعة في ذلك للقابض، فكيف إذا اشترط عليه في ذلك الضمان، ذلك بين أنه لا يجوز؛ لأنه بيع ذهب بذهب إلى أجل.

.مسألة يشتري اللحم بالدرهم من الجزار ويعطيه به حميلا فيغرم الحميل الدرهم:

قال أصبغ سمعت ابن القاسم يقول في الذي يشتري اللحم بالدرهم من الجزار ويعطيه به حميلا، فيغرم الحميل الدرهم إلى الجزار؛ هل للحميل أن يأخذ به من الغريم شيئا من الطعام؟ قال لا بأس به وقاله أصبغ.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الحميل لم يدفع طعاما إنما دفع درهما، فجاز له أن يأخذ به طعاما، ولو أراد الجزار أن يأخذ بذلك الدرهم من الحميل طعاما ما لم يجز؛ لأنه دفع طعاما؛ فلا يجوز له أن يأخذ من ثمنه طعاما قاله ابن دحون، وفيه نظر؛ لأنه أنزل منزلة المحال عليه في أنه لا يجوز له أن يأخذ منه إلا ما كان يجوز له أن يأخذه من الذي أحاله حسبما يأتي القول فيه في سماع أصبغ من كتاب الكفالة والحوالة إن شاء الله وليس بمنزلته، إذ لم يستحل عليه فيكون ما أخذه منه كأنه إنما أخذه من الذي أحاله به، فيكون قد اقتضى من ثمن الطعام طعاما فيتهمان على أنه إنما باع منه لحما بطعام إلى أجل، فلا موضع للتهمة في هذا إذ لم يأخذ الطعام من المشتري الذي باع منه اللحم، وإنما أخذه من غيره وهو الحميل؛ فإن كان أخذه من الحميل على وجه الابتياع له بالدرهم الذي له على المشتري، جاز باتفاق إن كان المشتري حاضرا مقرا بالدرهم، فاتبعه به الحميل لابتياعه إياه من الجزار بالطعام الذي دفع إليه فيه؛ وإن كان أخذ الطعام من الحميل صلحا عن المشتري الذي عليه الدرهم، فقيل إن ذلك جائز، ويكون المشتري بالخيار بين أن يجيز الصلح فيدفع الطعام الذي صالح به عنه، وبين ألا يجيزه ويدفع الدرهم الذي تحمل به عنه، وقيل: إن ذلك لا يجوز؛ لأنه يدفع طعاما ولا يدري إن كان يرجع به أو بالدرهم، من أجل الخيار الذي في ذلك للمشتري المتحمل عنه؛ واختلف إن لم يبين على أن وجه دفع الطعام على ماذا يحمل إن كان على الشراء فيرجع بالدرهم الذي ابتاع، أو على الصلح عن المشتري المتحمل عنه؛ فلا يجوز في قول من أجل الخيار الذي للمتحمل عنه، فلا يدري الحميل بما يرجع، ويجوز في قول من أجل أنه خيار أوجبه الحكم لم يعملا عليه.